البحوث والمنشورات

الذكاء الاصطناعي في النشاط البحثي والأكاديمي – تحليل البيانات الضخمة

الذكاء الاصطناعي في النشاط البحثي والأكاديمي –  تحليل البيانات الضخمة

سلسلة موضوعات: الذكاء الاصطناعي في النشاط البحثي والأكاديمي – الموضوع الأول

تحليل البيانات الضخمة ودور الذكاء الاصطناعي


تمهيد للسلسلة

يُعَدّ الذكاء الاصطناعي أحد أهم المحرّكات التكنولوجية في العصر الرقمي، وتتزايد أهميته يومًا بعد يوم في مختلف مجالات البحث الأكاديمي، ولا سيّما في العلوم الاقتصادية. في هذه السلسلة المكوّنة من خمس مقالات، سنتناول دور الذكاء الاصطناعي في دعم النشاط البحثي والأكاديمي في المجال الاقتصادي، وذلك استنادًا إلى بحثٍ شامل تم إعداده عن هذا الموضوع.

في المقال الأول (الحالي)، نركّز على محور تحليل البيانات الضخمة.
وفي المقالات اللاحقة، سنستعرض بقية المحاور: النماذج التنبؤية، وتعزيز كفاءة البحث، ودعم التعليم والتدريب، وصولًا إلى التحديات والآفاق المستقبلية.


أولًا: البيانات الضخمة في السياق الاقتصادي

1. تعريف البيانات الضخمة

تُشير البيانات الضخمة (Big Data) إلى مجموعات البيانات التي تتّسم بخصائص الحجم الكبير والتنوّع والسرعة، ما يجعل معالجتها بطرق التحليل التقليدية أمرًا معقّدًا أو غير ممكن. في السياق الاقتصادي، تضمّ البيانات الضخمة العديد من المصادر، مثل:

  • المعاملات المالية في أسواق الأسهم والسندات.
  • السجلات المصرفية وبيانات بطاقات الائتمان.
  • تقارير المؤسسات الدولية (مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي).
  • بيانات المستهلكين وعمليات الشراء عبر الإنترنت.
  • وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن رصد الاتجاهات السلوكية والتحوّلات في تفضيلات المستهلك.

يؤدي هذا التنوع في المصادر إلى امتلاك الباحثين الاقتصاديين مادة غنيّة للتحليل، شرط توفّر الأدوات والتقنيات المناسبة لاستخلاص القيمة من هذه البيانات.

2. أهمية البيانات الضخمة في الاقتصاد

  • رصد اتجاهات الأسواق: تتيح دراسة أحجام هائلة من بيانات التداول والتحوّلات السعرية الكشف عن الأنماط المؤثرة في سلوك المستثمرين.
  • دعم السياسات المالية: إذ يمكن لصنّاع القرار الاطلاع على مؤشرات مبكرة للأزمات المحتملة مثل التقلّبات في الأسواق أو ارتفاع معدلات التضخم.
  • تحسين الخدمات: تساعد بيانات المستهلكين وتفضيلاتهم المؤسسات والشركات على تصميم منتجات وخدمات أكثر توافقًا مع متطلبات السوق.

ثانيًا: دور الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة

1. الخوارزميات القادرة على التعلم التكيّفي

يتيح الذكاء الاصطناعي، وبخاصة خوارزميات التعلّم الآلي (Machine Learning) والتعلّم العميق (Deep Learning)، التعامل مع البيانات الضخمة بطرق غير ممكنة بالأساليب الإحصائية التقليدية. إذ يمكن لهذه الخوارزميات:

  • اكتشاف العلاقات الخفية: من خلال دراسة آلاف أو ملايين المتغيّرات في وقت واحد.
  • التعلّم التكيّفي: حيث تُحدَّث النماذج بشكل مستمر وفقًا للبيانات الجديدة، ما يجعلها أكثر دقة مع مرور الوقت.

2. الأتمتة وتقليل الأخطاء البشرية

من أبرز الميزات التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي في التعامل مع البيانات الضخمة، قدرته على أتمتة العمليات وتقليل تدخّل العنصر البشري في المراحل الأولية من التحليل، مثل:

  • جمع البيانات وتنظيمها: تستطيع الأدوات الذكية الوصول إلى منصات ومواقع متعددة لاستخلاص البيانات بشكل آلي.
  • تنظيف البيانات: وهو جزء مهم في أي عملية تحليل، حيث تعمل الخوارزميات على فلترة القيم المتطرفة والأخطاء أو البيانات المكررة.
  • تقليل الأخطاء: إذ تحدّ تقنيات الذكاء الاصطناعي من الأخطاء الناتجة عن التحليل اليدوي، ما يعزّز مصداقية النتائج الاقتصادية.

3. ثراء التحليلات وتعدد طرق العرض

باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يمكن دمج الأدوات التفاعلية وتمثيل البيانات بصريًا عبر لوحات معلومات (Dashboards) متطورة. يساعد هذا في تسهيل فهم وتفسير المؤشرات الاقتصادية المعقدة، ويتيح للمحللين وصنّاع القرار الحصول على صورة واضحة في أسرع وقت ممكن.


ثالثًا: أمثلة تطبيقية على تحليل البيانات الضخمة بالذكاء الاصطناعي

1. الأسواق المالية

في الأسواق المالية وأسواق العملات المشفّرة، قد تحتوي المنصّات على ملايين المعاملات في الثانية الواحدة. ومن خلال أنظمة ذكاء اصطناعي متقدّمة يمكن:

  • رصد التداولات غير الاعتيادية واكتشاف حالات التلاعب بالأسعار أو الاحتيال.
  • تحليل معنويات المستثمرين عبر دراسة مشاركاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي وتقارير الأخبار.

2. القطاع المصرفي والتأمين

تعتمد مؤسسات المصارف وشركات التأمين على التحليلات التنبؤية للحدّ من مخاطر الائتمان وتقدير الاحتمال المستقبلي لحوادث معينة. يستخدم الذكاء الاصطناعي بيانات عملاء ضخمة – تتضمن سجل القروض والدخل والتعاملات المالية – لتحديد احتمالية التخلّف عن السداد أو الاحتيال.

3. الاقتصاد الكلّي وتحليل المؤشرات

تشمل عمليات تحليل الاقتصاد الكلّي الاستعانة ببيانات إجمالية ضخمة عن معدلات التضخم والبطالة والنمو الاقتصادي في دول أو مناطق مختلفة. ومن خلال الذكاء الاصطناعي، يتم:

  • الدمج بين مصادر متعددة (تقارير دولية، إحصاءات وطنية، مؤشرات السوق) لاستخلاص رؤية شاملة.
  • رصد التغيرات العالمية بشكل لحظي تقريبًا، مما يساعد الحكومات على اتخاذ قرارات آنية بشأن السياسات النقدية والمالية.

رابعًا: الأدلة الرقمية على أثر الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة

1. حجم الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي

وفقًا لتقرير صادر عن شركة IDC للأبحاث (2021)، يتوقّع أن يتجاوز حجم الإنفاق العالمي على حلول الذكاء الاصطناعي 110 مليار دولار بحلول عام 2024، ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى التطبيقات المرتبطة بتحليل البيانات الضخمة في القطاعات الاقتصادية والمالية. 11

2. الاتجاهات المستقبلية للاقتصاد الرقمي

أشار المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum (2020) إلى أنّ البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي يشكّلان ركيزة أساسية للاقتصاد الرقمي في هذا العقد، ما يعني تعزيز الفرص الاستثمارية والابتكارات التقنية في قطاع الأعمال. 22

3. فوائد التحليل الفوري

أكدت دراسات حديثة أنّ توفّر التحليل في الزمن الفعلي (Real-Time Analytics) يمكّن الجهات الاستثمارية من تحديد فرص الأرباح أو تجنّب الخسائر بسرعة أكبر، مقارنة بالمؤشرات المتأخرة التي كانت تُعتمد في الماضي.


خامسًا: تحديات تبنّي الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة

  • الموارد التقنية والبشرية: يتطلّب تنفيذ حلول الذكاء الاصطناعي بنية تحتية حاسوبية قوية، بالإضافة إلى كوادر متخصصة في علوم البيانات والبرمجة والإحصاء.
  • التكلفة العالية: إن إنشاء بيئة تحليل بيانات ضخمة يتطلّب استثمارات كبيرة في الأجهزة والبرمجيات والدعم الفني.
  • حماية البيانات والخصوصية: يتزامن جمع وتحليل بيانات المستهلكين الضخمة مع مخاوف متزايدة حول انتهاك الخصوصية وسوء استخدام البيانات الشخصية.
  • التحيّز في الخوارزميات: من الممكن أن تعكس نماذج الذكاء الاصطناعي تحيّزًا (Bias) في البيانات الأصلية، ممّا يؤثّر سلبًا على نتائج البحث واتخاذ القرار الاقتصادي.

خاتمة

يُظهر تحليل البيانات الضخمة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي صورة واضحة عمّا يمكن أن يحدثه التطوّر الرقمي في حقل الاقتصاد، حيث ترتقي هذه التقنيات بالدراسات الاقتصادية من مستوى الاعتماد على عيّنات محدودة وعمليات تحليل معقّدة إلى فضاء واسع من المؤشرات الفورية والعلاقات المتشابكة. ورغم التحديات المتمثّلة في الكلفة والخصوصية وتحقيق النزاهة في الخوارزميات، تبقى الفوائد التي يتم جنيها من سرعة استخراج المعلومة ودقّة التوقّعات عالية جدًا.

في المقال القادم من هذه السلسلة، سنستكمل رحلتنا مع الذكاء الاصطناعي في البحث الاقتصادي، بالتركيز على النماذج التنبؤية ودورها المحوري في دعم الحكومات والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية في اتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة.


إعداد: المجلس الوطني المصري للتنافسية (ENCC)

السلسلة: الذكاء الاصطناعي في النشاط البحثي والأكاديمي – المقال الأول

  • سوف يحتاج التعليق إلى موافقة المحرر قبل نشره
  • الموقع يحتفظ بحق رفض التعليقات اذا لم تكن مناسبة

16 فبراير 2025 11:16 م

مقدمة جيدة للموضوع. نود لو فى المستقبل يتم التركيز على ما يمكن ان يقدمه ال AI فى القطاعات الاقتصادية المختلفة. بالتوفيق ان شاء الله


16 فبراير 2025 9:06 م

Thank you so much