البحوث والمنشورات

تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أبريل 2025 الصادر عن صندوق النقد : النمو العالمي تحت الضغط

تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أبريل 2025 الصادر عن صندوق النقد : النمو العالمي تحت الضغط

تقرير آفاق الاقتصاد العالمي – أبريل 2025

النمو العالمي تحت الضغط: التوترات التجارية، التحديات الديموغرافية، والتحولات في سياسات الهجرة

المقدمة 

صدر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (WEO)، أبريل 2025 عن صندوق النقد الدولي (IMF) في ظل بيئة عالمية تتغير بسرعة. فبعد أداء اقتصادي عالمي مستقر نسبيًا ولكن مخيب للآمال خلال عام 2024، شهدت الشهور الأولى من عام 2025 اضطرابات كبيرة. فقد أدت تصاعد التوترات التجارية، لا سيما بعد الإجراءات الجمركية الشاملة التي اتخذتها الولايات المتحدة، إلى جانب خلفية من عدم اليقين السياسي، والتحولات الديموغرافية، وتغير سياسات الهجرة، إلى إعادة تشكيل النظرة المستقبلية بشكل عميق.

يحلل هذا التقرير المشهد الاقتصادي العالمي المتغير من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

  • التوقعات الاقتصادية الكلية الحالية وسط تصاعد الحماية التجارية وعدم اليقين، 
  • الاتجاهات الديموغرافية وتأثيرها على آفاق النمو على المدى المتوسط والطويل، 
  • تحولات سياسات الهجرة وتأثيرها غير المتناسب على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

تتناول الأقسام التالية النتائج الرئيسية للتقرير، منظمة منطقيًا حسب الموضوع.


الملخص التنفيذي: تحول نحو آفاق عالمية أكثر هشاشة 

منذ يناير 2025، واجه الاقتصاد العالمي صدمات غير متوقعة:

  • في 2 أبريل 2025، نفذت الولايات المتحدة تعريفات جمركية شبه شاملة، مما دفع معدلات التعريفات الفعلية إلى أعلى مستوياتها منذ قرن (انظر الشكل ES.1). وتبع ذلك ردود فعل انتقامية من قبل الشركاء التجاريين الرئيسيين.
  • ونتيجة لذلك، تمت مراجعة توقعات النمو العالمي نحو الانخفاض. وفقًا للتوقعات المرجعية الجديدة (المبنية على البيانات حتى 4 أبريل 2025):
    • يُتوقع أن ينخفض النمو العالمي إلى 2.8٪ في عام 2025 و3.0٪ في عام 2026 (مقارنة بـ 3.3٪ لكل منهما سابقًا).
    • من المتوقع أن ينخفض نمو الاقتصادات المتقدمة إلى 1.4٪ في عام 2025، مع تباطؤ حاد في الولايات المتحدة إلى 1.8٪.
    • ومن المتوقع أن تسجل الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية نموًا بنحو 3.7٪ في عام 2025.

أما التضخم، فمن المتوقع أن ينخفض بوتيرة أبطأ مما كان متوقعًا سابقًا، ليصل إلى 4.3٪ عالميًا في عام 2025 و3.6٪ في عام 2026.

وقد تحولت المخاطر بقوة نحو الجانب السلبي:

  • يمكن أن تؤدي التوترات التجارية، وضعف الحواجز المالية، والضغوط الديموغرافية إلى تفاقم مواطن الضعف.
  • تزايد خطر عدم الاستقرار المالي العالمي، وتزايد أزمات الديون، وتصاعد التوترات الاجتماعية بسبب أزمة تكلفة المعيشة المستمرة.
  • قد يتم اختبار صلابة العديد من الاقتصادات الناشئة بشكل أكبر في ظل الظروف المالية العالمية المتشددة.

وفي الجانب الإيجابي، قد يؤدي تخفيف التوترات التجارية والتزام جديد بالتعددية إلى استعادة الاستقرار ودعم النمو.


الفصل الأول: التوقعات العالمية – النمو، التضخم، وتوازنات المخاطر 

1.1 التطورات الأخيرة والنظرة المستقبلية 

ترسم التوقعات المرجعية الجديدة صورة قاتمة:

  • سينخفض النمو العالمي إلى ما دون المتوسط التاريخي البالغ 3.7٪ للفترة 2000–2019.
  • ستشهد الاقتصادات المتقدمة، ولا سيما الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، تباطؤات كبيرة.
  • ستواصل الصين، المتأثرة بشدة بالتعريفات الجمركية، تسجيل تباطؤ في النمو.
  • تواجه أسعار السلع الأساسية، وخاصة الطاقة والغذاء، تقلبات عالية بسبب كل من الاحتكاكات التجارية والتوترات الجيوسياسية.

اتجاهات التضخم:

  • رغم استمرار عملية الانكماش التضخمي (Disinflation)، لا يزال التضخم مرتفعًا بعناد في العديد من الاقتصادات المتقدمة.
  • لا تزال أسعار الخدمات تشهد تضخمًا قويًا، مع استمرار التباين بين تضخم السلع والخدمات.

1.2 المخاطر الرئيسية 

يحدد التقرير عدة مستويات من المخاطر السلبية:

  • الحروب التجارية: قد تؤدي التعريفات الأعلى إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية وتدهور مناخ الاستثمار.
  • تجزئة السياسات: قد تؤدي السياسات النقدية والمالية والتنظيمية المتباينة إلى تدفقات رأس مالية عكسية وتقلبات حادة في أسعار الصرف.
  • ضغوط مديونية: مع تشديد الأوضاع المالية العالمية، تزداد مخاطر أزمات الديون في الاقتصادات المثقلة بالديون.

1.3 التوصيات السياسية 

  • ينبغي على السياسات النقدية أن تظل تركز على تحقيق استقرار الأسعار.
  • يجب أن تهدف السياسات المالية إلى ضبط مالي متوسط الأجل موثوق به لاستعادة الحيز المالي.
  • الإصلاحات الهيكلية ضرورية لإحياء نمو الإنتاجية.
  • التعاون متعدد الأطراف أمر حتمي للحد من التجزئة واستعادة استقرار النظام التجاري العالمي.


الفصل الثاني: التحولات الديموغرافية وآثارها الاقتصادية 

2.1 التحولات السكانية والتباينات الديموغرافية 

تشهد البنية السكانية العالمية تغيرات جذرية:

  • شيخوخة السكان في الاقتصادات المتقدمة (مثل اليابان، ألمانيا، وإيطاليا) تهدد نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل، وإمدادات العمل، واستدامة المالية العامة.
  • بينما تقدم المجتمعات الشابة في بعض مناطق أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا فرصًا ديموغرافية، إلا أنها تتطلب استثمارات ضخمة في التعليم والرعاية الصحية لتحقيق مكاسبها.

النتائج الرئيسية:

  • بحلول عام 2050، ستشهد الاقتصادات المتقدمة انخفاضًا كبيرًا في عدد السكان في سن العمل.
  • سترتفع نسبة الإعالة (عدد السكان غير العاملين إلى عدد السكان العاملين) بشكل حاد في المجتمعات المسنة.

2.2 الآثار الاقتصادية 

  • انخفاض نمو القوى العاملة سيؤدي إلى إبطاء النمو المحتمل للناتج المحلي الإجمالي.
  • اختلالات الادخار والاستثمار قد تزداد، مما يؤثر على تدفقات رأس المال العالمية.
  • تصاعد الضغوط على المالية العامة مع ارتفاع تكاليف الصحة والمعاشات التقاعدية.

2.3 السياسات الموصى بها 

لمواجهة التحديات الديموغرافية:

  • ضرورة القيام بـ إصلاحات سوق العمل لتعزيز معدلات المشاركة، لا سيما بين النساء وكبار السن.
  • إعطاء الأولوية لـ زيادة الإنتاجية عبر التحول الرقمي والابتكار.
  • استخدام سياسات الهجرة المدروسة لتعويض نقص العمالة المحتمل في الاقتصادات المسنة.


الفصل الثالث: تحولات سياسات الهجرة وآثارها الاقتصادية العالمية 

3.1 تحولات سياسات الهجرة في دول المقصد 

شهدت العديد من الاقتصادات المتقدمة مؤخرًا تشديدًا في سياسات الهجرة:

  • فرض قيود أكثر صرامة على الحدود ونظم تأشيرات أكثر تشددًا في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا.
  • أصبحت سياسة الهجرة تتشكل بشكل متزايد بناءً على اعتبارات سياسية بدلاً من الضرورات الاقتصادية.

3.2 الآثار غير المباشرة على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية 

  • خطر على تحويلات المغتربين: العديد من الدول النامية تعتمد بشدة على التحويلات المالية، وقد تؤدي القيود على الهجرة إلى تراجع هذه التدفقات الحيوية.
  • تفاقم نزيف العقول: لا تؤدي السياسات المقيدة للهجرة إلى القضاء على الضغوط للهجرة بل تدفع العمالة الماهرة إلى طرق هجرة غير نظامية أكثر خطورة.
  • تأثير سلبي على الإمداد العالمي بالعمالة: قد تؤدي القيود إلى تفاقم نقص العمالة في الاقتصادات المسنة، مما يضغط على معدلات النمو.

3.3 التوصيات السياسية 

  • ينبغي على دول المقصد اتباع سياسات هجرة متوازنة تراعي الاعتبارات الأمنية وتحتفظ بمساهمات المهاجرين الاقتصادية.
  • يجب على دول المصدر الاستثمار بقوة في تنمية رأس المال البشري وخلق الفرص المحلية للحد من دوافع الهجرة.

يمكن للهجرة أن تكون استراتيجية رابحة للطرفين إذ تدعم النمو في الاقتصادات المتقدمة وتوفر مصادر دخل حيوية للبلدان النامية – إذا ما تم إدارتها بطريقة صحيحة ومدروسة.


الخاتمة: التعامل مع مشهد عالمي أكثر تعقيدًا ومخاطرًا 

يرسم تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لأبريل 2025 صورة لعالم يواجه مستويات متزايدة من عدم اليقين. فقد اجتمعت تصاعد الحماية التجارية، والتحولات الديموغرافية، وتغير سياسات الهجرة، لتخلق بيئة محفوفة بالمخاطر للنمو العالمي.

الأولويات الأساسية للمضي قدمًا تشمل:

  • استعادة استقرار التجارة العالمية: من خلال تخفيف الحروب التجارية والالتزام مجددًا بنظام تجاري عالمي قائم على القواعد.
  • إحياء محركات النمو: عبر تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري والبنية التحتية والابتكار.
  • تعزيز التعددية: من خلال التعاون الدولي لمواجهة تحديات الاستقرار المالي والهجرة.
  • معالجة القضايا الديموغرافية والهجراتية: من خلال السياسات الاستباقية التي تحقق أقصى استفادة من الفرص وتخفف الآثار السلبية.

ستكون البلدان التي تتحرك بسرعة لإعادة بناء الحواجز المالية، والإصلاح الهيكلي، والتعاون دوليًا، هي الأفضل استعدادًا لمواجهة السنوات المقبلة بكل ما تحمله من تقلبات.


مصر في سياق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التحديات والفرص وآفاق السياسات

الموقع الاقتصادي لمصر ضمن مجموعة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تمثل مصر أحد أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من حيث حجم السكان، والقوة العاملة، والوزن النسبي في التجارة الإقليمية والعالمية. ومع التغيرات الهيكلية والاضطرابات التي تشهدها المنطقة والعالم – بما في ذلك تصاعد الحماية التجارية، التحولات الديموغرافية، وتشديد السياسات النقدية والمالية – تبرز أهمية موقع مصر كمرتكز رئيسي لتحقيق الاستقرار والنمو في الإقليم.

الأداء الاقتصادي الراهن والمرتقب 

  • حققت مصر معدل نمو تقديري بلغ نحو 2.4% في عام 2024، مع توقعات بتسارع النمو إلى 3.6% في عام 2025 و4.1% في عام 2026، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.
  • يستفيد الاقتصاد المصري من عوامل محلية داعمة، تشمل الإصلاحات الاقتصادية الجارية، المشروعات القومية الكبرى، وتحسن التدفقات السياحية والاستثمارية، رغم الضغوط التضخمية والتحديات الخارجية.

نقاط التأثير الإقليمي والدولي على مصر 

  1. التوترات التجارية العالمية:
    • قد تؤدي الحروب التجارية المستمرة إلى تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) إلى الأسواق الناشئة ومنها مصر، مع احتمالية تراجع حجم التجارة العالمية، وهو ما يتطلب من مصر تعزيز قدراتها التنافسية غير التقليدية وتنويع أسواق التصدير.
  2. ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وتشديد الأوضاع المالية:
    • يشكل ارتفاع تكاليف التمويل الدولي تحديًا إضافيًا أمام مصر، خاصة مع سعيها لتمويل خطط التنمية والحد من عجز الموازنة. لذا يصبح الحفاظ على جاذبية أدوات الدين المحلية وتدعيم الاستقرار النقدي أولوية قصوى.
  3. التحولات الديموغرافية الإقليمية والعالمية:
    • على خلاف العديد من اقتصادات المنطقة التي تواجه شيخوخة سكانية، تمتلك مصر قاعدة شبابية واسعة. إذا ما تم استثمارها عبر سياسات فعالة للتعليم والتدريب والتوظيف، يمكن أن تتحول إلى محرك قوي للنمو المستدام.
  4. تحولات سياسات الهجرة:
    • أي قيود إضافية على الهجرة نحو الدول المتقدمة قد تقلل من تحويلات المصريين بالخارج، مما قد يؤثر سلبًا على ميزان المدفوعات ودخل الأسر. تحتاج مصر إلى وضع خطط لتعزيز فرص العمل المحلية وتقليل الاعتماد النسبي على التحويلات.
  5. تقلبات أسعار السلع الأساسية:
    • باعتبار مصر مستوردًا صافياً للطاقة والغذاء، فإن أي ارتفاع في الأسعار العالمية يمثل ضغطًا إضافيًا على الميزان التجاري وعلى معدلات التضخم المحلي، ما يتطلب تعزيز سياسات الأمن الغذائي وتنويع مصادر الطاقة.


التحديات الهيكلية الخاصة بمصر 

  • عجز الميزان الجاري واستدامة الدين العام: الحاجة إلى ضبط المالية العامة بشكل تدريجي وموثوق مع الحفاظ على معدلات نمو مقبولة.
  • التفاوت الإقليمي والاجتماعي: ضرورة تعزيز سياسات الإدماج الاقتصادي وتحقيق تنمية متوازنة بين الحضر والريف.
  • تحسين بيئة الأعمال: الحاجة إلى تسريع جهود إزالة المعوقات البيروقراطية وتعزيز حماية حقوق المستثمرين.
  • تحديث البنية التحتية الرقمية والابتكار: للاستفادة من التحولات التكنولوجية المتسارعة وجذب استثمارات نوعية في مجالات الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة.


توصيات السياسات الخاصة بمصر 

  1. السياسة النقدية:
    • الحفاظ على استقرار الأسعار عبر إدارة فعالة للسيولة ومراقبة توقعات التضخم.
    • الإبقاء على مرونة سعر الصرف مع تجنب التقلبات المفرطة التي قد تضر بالاستقرار المالي.
  2. السياسة المالية:
    • تنفيذ خطة ضبط مالي تدريجية تحافظ على زخم النمو وتوفر حماية اجتماعية للفئات الأكثر تأثرًا.
    • زيادة الإيرادات العامة بشكل مستدام عبر توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز الامتثال.
  3. سياسات سوق العمل:
    • إطلاق برامج مكثفة للتدريب الفني والمهني موجهة لاحتياجات سوق العمل، خاصة في القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا واللوجستيات والطاقة المتجددة.
    • تحفيز ريادة الأعمال وتمكين المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
  4. التجارة والاستثمار:
    • تكثيف جهود تنويع الأسواق التصديرية بعيدًا عن الأسواق التقليدية، مع تعزيز التكامل مع الأسواق الأفريقية والعربية.
    • تحسين المناخ الاستثماري، وتسريع تنفيذ اتفاقيات التجارة الحرة مع الشركاء الرئيسيين.
  5. تعزيز الأمن الغذائي والطاقة:
    • الاستثمار في مشروعات الزراعة الذكية، وتوسيع قدرة تخزين السلع الاستراتيجية.
    • تسريع خطط التوسع في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتقليل الاعتماد على الواردات الطاقية.
  6. الحوكمة وتعزيز الشفافية:
    • ترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة في المؤسسات العامة والخاصة.
    • تعزيز الإفصاح المالي والإحصائي بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية.


خلاصة 

تقف مصر أمام فرصة تاريخية لتعزيز مكانتها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم التحديات العالمية المتزايدة. إن تبني سياسات نقدية ومالية مرنة ومدروسة، والاستثمار في رأس المال البشري والبنية التحتية الحديثة، وتعزيز التنويع الاقتصادي، سيمكن مصر من تحقيق نمو قوي ومستدام، مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية.



  • سوف يحتاج التعليق إلى موافقة المحرر قبل نشره
  • الموقع يحتفظ بحق رفض التعليقات اذا لم تكن مناسبة